في سلسلة مقالات – أنت قصة حياتك ايه؟ – هنتكلم عن أشخاص ملهمين قرروا إنهم يغيروا الواقع اللي بيعيشوه ويكون ليهم دور إيجابي أكتر في الحدوته بتاعتهم وفي حياة اللي حواليهم، زي اللاجئين في قصة انهاردة مع د. عصام داوود، واللي هنتعلم منه ٣ نقط مهمة في إزاي نقدر نقدم دعم نفسي مهم جداً للاجئين اللي عايشين في وسطنا وموجدين حوالينا كل يوم ونتعامل معاهم ازاي.
كلامنا في السلسلة دي مش بس على عظماء في مجالات التاريخ والعلوم وإدارة الأعمال والرياضة، لكن كمان هنوضح قصص لناس عاديين، أو كنا فاكرينهم عاديين لحد ماعرفنا قصتهم، ناس شبهك وعندهم مشاكل وصعوبات وحياة شكلها عادية، بس بياخدوا قرار إنهم يغيروها ويكتبوا قصة حياتهم بشكل مختلف.
قصة الطفل عمر من اللاجئين الناجيين
عمر هو طفل من سوريا كان عنده ٥ سنين وقت القصة دي، قدر هو وعيلته يعدوا البحر المتوسط بالمركب مع مجموعة تانية من اللاجئين ويوصلوا قريب من سواحل اليونان. وهناك قابلتهم فرق إنقاذ كتير وكان فيه حالة من الرعب والقلق وعدم الوضوح بإيه اللي هيحصل فيهم، بعد كل اللي عانوا منه في البحر عشان يوصلوا لحد هنا وقد إيه منهم مات في السكة أساساً.
د. عصام، وهو طبيب نفسي، كان واقف مع فرق الإنقاذ وشاف عمر بيعيط على كتف مامته وعلى وشه كل علامات الرهبة والخوف وعدم الفهم للموقف، وكان واضح بالنسبة ليه إن الولد بيمر بصدمة هتأثر على صحته العقلية وسلامته النفسية بقية حياته لو ماتتدخلش فوراً (١).
د. عصام جري على الأم وقالها : “اعطيني الولد وخدي نفس” وراح شايل منها الولد ولقى الطفل عمر في حالة من الذهول والخوف بيشاور على هيليكوبتر الشرطة اللي في السما ويسأله: “عمو، شو هذا؟!”.
د. عصام كان عنده اختيار من الاتنين، يا إما يقول الحقيقة كاملة للولد اللي عنده ٥ سنين ويواجهه بإن هو وعيلته دخلوا البلد دي بطريقة غير شرعية والشرطة جاية تاخدهم وبعدين تقرر هيحصل معاهم ايه، وساعتها الولد هيتعرض لصدمة نفسية كبيرة ممكن تخليه يخاف من منظر البحر ومنظر أي طيارة بعد كده عشان هيبقى بيفكروه باليوم الكارثي ده (٢)…
يا إما يغير القصة والرواية اللي الطفل عمر هيفتكر بيها الموقف ده بقية حياته ويقوله: “دي هليكوبتر جاية تصورك، عشان أنت بطل، قدرت تعدي البحر في المركب ودي حاجة مفيش غير الأقوياء والأبطال بس اللي يقدروا يعملوها”…
في اللحظة دي تحولت نظرات الخوف والرهبة اللي على وش عمر إلى ضحكة وابتسامة جميلة وفخر بنفسه وقال بمنتهى العزة: “أنا بطل”.
طاقم الإنسانية ومساعدة اللاجئين
في ٢٠١٥ كان د. عصام واقف على شاطئ جزيرة في اليونان مستني مراكب إنقاذ اللاجئين توصل عشان يقابلهم ويتعامل نفسياً مع الأطفال والناجيين من رحلة البحر الصعبة في الظروف دي…
د. عصام كان معاه مجموعة من الدكاترة والناشطين المهتمين بالموضوع وقرر هو وزوجته وغيرهم إنهم يعملوا مجموعة إسمها “طاقم الإنسانية” هدفهم دعم اللاجئين نفسياً وصحتهم العقلية في كل حته في العالم وإنقاذهم من الصدمات اللي بيتعرضولها وازاي إنهم يغيروا ليهم السيناريو والرواية بتاعة الموقف اللي اتعرضوا ليه للأحسن ولناحية إيجابية.
حتى الآن “طاقم الإنسانية” على صفحته الرسمية بيقول إنه قدر يساعد من ٢٠١٥ لغاية دلوقتي: أكتر من ٦٠٠ ألف شخص من اللاجئين في الأزمات في ١٤ بلد وقدموا تدريبات لأكتر من ٨ ألاف متطوع عشان يكملوا المسيرة ويساعدوا غيرهم (٣).
ازاي أتعامل مع اللاجئين اللي حواليا؟
١- فهم موقف اللاجئين
أول نقطة في كيفية التعامل مع اللاجئين هي إنك تعرف إن دول مش مهاجرين بمزاجهم ولا قرروا إنهم عايزين يسيبوا أرضهم وبيتهم وجايين هنا وهم مبسوطين. بالعكس دول مجبورين على الخطوة دي عشان هربانين من حروب أو تهجير قسري أو تطهير عرقي أو إبادة جماعية، كلها حاجات كارثية بكل ماتحمله الكلمة من معنى. اللاجئين دول عليهم يفضلوا عايشين في بيوتهم حتى لو عندهم مشاكل اقتصادية أو صحية، لكن دول هربانين عشان بس يفضلوا على قيد الحياة. النقطة دي مهمة جداً في فهم الفرق بين اللاجئين والمهاجرين سواء الشرعيين أو الغير شرعيين.
زود بقى على كل اللي فات ده إن اللاجئين دول عشان يوصلو لحد المكان اللي هم فيه دلوقتي عدوا بكمية مخاطر ومصاعب مش طبيعية، حياتهم كامت على كف عفريت سواء مشي مسافات مهولة في صحراء ولا مطاردات من شرطة ولا استغلال من مهربين ولا إهانات ولا غيره وغيره.
٢- عدم التمييز ضد اللاجئين
تعامل مع اللاجئين زيهم زي أي حد، تعامل معاهم كبني آدمين عاديين، متحسسهمش إنهم منبوذين ولا مختلفين عشان مجرد إنهم مش موجودين في بلدهم. متلقحش عليهم بكلام سخيف وتزود على أوجاعهم وهمومهم أوجاع أكتر. متبصش عليهم في الشارع كأنهم كائنات فضائية، سواء مختلفين في اللون ولا اللغة ولا اللهجة، متبقاش عنصري (راجع مقالة “خليك إنسان” عشان تاخد بالك أكتر من الغلطات اللي بنعملها، الرابط في المراجع في الاخر، ٤)
كل واحد من اللاجئين دول عنده قصة نزوح تخليك تعيط من كمية المشاكل، بالإضافة إن منهم اللي مات أبوه ولا أمه ولا ولاده ولا أصحابه ولا أحلامه ولا جامعته ولا مدرسته ولا منطقته ولا كل ذكرى كانت ليه في المكان اللي كان عايش فيه سابها وهرب عشان اتدمرت أو عشان يحافظ على حياته أساساً.
٣- ساعد اللاجئين في تغيير روايتهم
قدملهم دعم نفسي، اسمع لقصصهم، سيبهم يتكلموا ويحكولك على بيوتهم اللي اتهدت ولا عيلتهم اللي ماتت ولا خطط حياتهم اللي اتغيرت، اللاجئين الموحودين وعايشين حواليك ممكن يكونوا محتاجين التشجيع المعنوي قد احتياجهم للدعم المادي. اتعلم من قصة د. عصام داوود والطفل عمر واخلقلهم رواية مختلفة إنك شايف إنهم أبطال إنهم قدروا يعدوا بكل المشاكل والصعوبات دي، قولهم إن اللي هم مروا بيه ده ولسه مكملين بيعافروا عشان الحياة بيديلك أنت شخصياً أنل وطاقة عشان شايفهم في الظروف دي ومبهور بإصرارهم وعزيمتهم.
ساعد اللاجئين كمان في تغيير الرواية إنك تديلهم فرص دراسة وعمل ونجاح وتطور زيهم زي أي حد في المجتمع الجديد اللي هم عايشين فيه. متحرمش حد منهم من فرص التقديم والانترفيو لمجرد إنه من اللاجئين من غير ماتحكم عليه كشخص وعلى قدراته ومهاراته، أكيد هو في بلده وفي حياته اللي قبل الكارثة كان شخص ناجح في حاجة وشغال في حاجة سواء مهن يدوية ولا تجارة ولا صناعة ولا زراعة ولا إدارة. اللاجئين بيبقوا من أكتر الناس المهتمين إنهم يشتغلوا ويتعلموا وينجحوا عشان دول هربوا بحياتهم من الموت وجابيين هنا يبنوها من أول وجديد. بدل مانضطهدهم ولا نقلل من شأنهم، خلينا نستفيد منهم ويساعدوا في إنهم يبنوا اقتصاد بلدك بخبراتهم وقدراتهم وطموحاتهم وأمالهم.
الخلاصة:
عدد اللاجئين في العالم أكتر من ١٠٠ مليون شخص ومتوقع في ٢٠٢٤ إنهم يوصلوا ل١٣٠ مليون شخص، العدد المهول ده كله تم إجباره على إنه يهرب ويسيب بيته وبلده وأحلامه عشان يفضل عايش أساساً، وزي ماشفنا في قصة د. عصام داوود مع الطفل عمر إنه ازاي ممكن في ايدينا إننا ننقذهم من صدمة ممكن تأثر على نفسيتهم بقية الحياة. افهم وضعهم وإن اللي هم مروا بيه مش سهل، تجنب أي تمييز وعنصرية ضد اللاجئين وإديهم حقهم زي أي حد، والأهم إنك تساعدهم إنهم يغيروا الرواية اللي بيقولوها لنفسهم وتحسسهم بإنك مقدر ومتفهم معانتهم وتحولها لطاقة إيجابية يقدروا يبدأوا بيها حياة جديدة.
د. عصام داوود كان شخص عادي، بس قرر إن هو واللي معاه في “طاقم الإنسانية” إنهم يعملوا حاجة مختلفة ويكون ليهم دور أكبر في حياة اللاجئين اللي بيساعدوهم.
المصادر والمراجع:
١- الموقع الرسمي لدكتور عصام داوود
٢- الموقع الرسمي لطاقم الإنسانية
٣- قصة الطفل عمر مع د. عصام داوود
٤- مقالة “خليك إنسان” ضد التمييز والعنصرية
امام عاشور وفينسيوس، بين التمييز والعنصرية ! خليك إنسان – اتعلمت إيه؟